الموضة والمشاهير
ما زال المجتمع اللبناني يعيش على أطلال وهم "سويسرا الشرق"، مقتنعاً أنه على رغم النفايات التي تطمره يتفوّق على العديد من الدول المحيطة في مجال حقوق الإنسان. وتتجذّر في المعتقد الجماعي اللبناني فكرة مفادها أنّ المرأة اللبنانية تتقدم على غيرها من نساء العالم العربي. ولكن تأتي الأرقام والدراسات لتؤكد أنّ "مَن لا يتقدّم يتراجع"، وهي لا تراوح مكانها، بل تتراجع!
تمكنت كثيرات من النساء العربيات الطامحات إلى تغيير واقعهن عبر خرق أسوار مجتمعهن الصلبة والتقدّم على درب المساواة مع الرجل. وتؤدي المرأة اللبنانية في هذا المشهد دور الأرنب الذي شمت من بطء سلحفاة، وأخذ يتفرّج عليها حتّى سبقته.
شريحة كبيرة من اللبنانيات واللبنانيين تؤكّد أنّ المرأة اللبنانية أكثر علماً وفرصاً وانفتاحاً وحقوقاً من غيرها في العالم العربي. وتتسلّح بالحرّية المعطاة لها على صعيد اللباس والخروج للعمل وإمكانيتها الترفيه عن نفسها مع بعض الأصدقاء المختلطين في المقاهي والنوادي الليلية، لتبرّر تقدمها على غيرها.
لكنّ هذه "الحرية" المكبَّلة بسيطرة الرجال على مراكز القرار بحكم الفكر الذكوري الأبوي، لم تضع اللبنانيات سوى على رأس القوائم العالمية للخاضعات لعمليات التجميل، وقد تحوّلن لسلعة إعلامية محلية وعربية ودولية. وبات حجم تضاريسهن المزيفة وكمية الحقن السليكونية في أجسادهن... يضخّمان فرص توظيفهن، وليس حجم علمهنّ وثقافتهنّ. علماً أنّ التحصيل الجامعي غالباً ما لا ينقصهنّ.
بالأرقام
بمناسبة اليوم العالمي للفتاة الذي صادف في 11 تشرين الأوّل الحالي أصدرت المنظمة العالمية Save the children تقريراً قيّمت فيه وضع النساء والفتيات في مختلف دول العالم. حلّ لبنان في المرتبة 76 من أصل 144 دولة. وصنّف التقرير الدول وفق معايير التعليم، وزواج القاصرات، والحمل في سن المراهقة، وحالات الوفاة عند الولادة، وعدد النساء في البرلمان...
على الصعيد العربي لم تتبوّأ اللبنانيات المرتبة الأولى، بل حلّت أمامهن الجزائريات متقدّمات بأشواط (في المرتبة 31)، والتونسيات (في المرتبة 33)، والقطريات (في المرتبة 53)، والأردنيات (في المرتبة 58)، بينما لم يسبق لبنان جارته التي تمزّقها الحروب سوى بمرتبتين، إذ حلّت سوريا في المرتبة 78.
تصدّرت القائمة البلدان الاسكاندينافية وأوّلها السويد، وفنلندا والنروج تليها هولندا وبلجيكا. فهذه الدول منصفة بحق المرأة والإنسان عموماً، أما لبنان فنظرة على أوضاعه تكشف الفروقات التي رمت به في المرتبة 76.
في البرلمان
يصل عدد النساء في البرلمان الجزائري إلى 145 إمرأة من أصل 462 نائباً، وذلك بعد إصلاحات سياسية، حدّدت فيها الحكومة الحدّ الأدنى للنساء بـ 30 في المئة. في تونس تبلغ نسبة النائبات 31 في المئة أي 67 امرأة من أصل 217 نائباً. أمّا لبنان فينحصر عدد نائباته في البرلمان الممدّد لنفسه بـ 4 من أصل 128 أي 3.12 في المئة!
زواج الأولاد
تؤكد بيانات مفوّضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنّ أكثر من 6 في المئة من السوريات بين عمر 12 و17 عاماً متزوّجات في لبنان. يتبع المُقيمون في أيّ دولة لقوانينها، ويزيد زواج القاصرات في فترات الحروب.
وفي غياب قانون مدني لبناني يحصر حق الزواج بالراشدات، تحدّد كلّ طائفة سنّ زواج لأبنائها. غالبية الطوائف تسمح بزواج مَن هنّ دون 18 عاماً. والنتيجة: يستشري زواج القاصرات في صفوف السوريين في لبنان.
وفاة الوالدات
تعادل لبنان مع الولايات المتحدة من حيث نسبة وفاة النساء خلال الولادة. فبحسب تقرير Save the children توفيت 14 امرأة لكل 100 ألف ولادة في لبنان عام 2015، ما يضع البلاد في المرتبة 32 على قائمة أقل دول تشهد وفاة نساء خلال الولادة.
وفي الختام، نشير إلى أنّ مشاركة النساء الخجولة جداً في عملية صنع القرار سبب واضح وراء عدم تقدّم لبنان إلى صفوف الدول المتطوّرة على صعيد حقوق النساء والإنسان.
تدرك جمعيات المجتمع المدني هذا الخلل، وتواصل معركتها لإقرار كوتا تحجز للنساء مقاعد برلمانية ما يدعم ترشيحهنّ وخوضهنّ غمار الشأن السياسي. هذه الخطوة ضرورية لتطوّر المرأة سياسياً خصوصاً أنّ الأحزاب اللبنانية لم ترشّح نساء باستثناء بضعة أسماء لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
فاللبنانية ناشطة حزبياً إلّا أنها توظِّف ولاءها وتضحياتها وتفانيها في العمل المكتبي والاجتماعي الحزبي. فلطالما أقامت الولائم وحضّرت الأكل والحفلات والحملات الانتخابية داعمةً رجالاً من السياسيين يتجاهلون حقوقها في فترات الانتخابات، ويتذكّرون وجودها لكونها صوتاً انتخابياً يدعم وصولهم إلى الكرسي.
(سابين الحاج - الجمهورية)